-A +A
محمد الحربي
أن تطلب إيران من أمريكا والدول الأخرى في مجموعة 5 + 1 التي اجتمعت خلال اليومين الماضيين، أن تكون جلساتها حول الملف النووي الإيراني سرية، فهذا لوحده مثار للتساؤل وفقدان الثقة في طمأنة إيران لدول الخليج على الأقل، الجار الأقرب لها قبل طمأنة المجتمع الدولي.
وخلال سنوات طويلة، تعنتت إيران في الإفصاح عن برنامجها النووي لمفتشي وكالة الطاقة الذرية وغلفته بسرية كبيرة خاصة فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، وإن كانت تسعى لتصنيع السلاح النووي الذي تريد من خلال امتلاكه فرض هيمنتها على المنطقة، أم أنها بريئة من هكذا اتهام.

وإيران التي ثبت للعالم تورطها في سفك الدم السوري من خلال دعمها للنظام بالسلاح والمال والعناصر القتالية، ودعمها للحوثيين لإثارة البلابل في اليمن أو حتى في المملكة أثناء أحداث الجنوب، وتدخلها السافر بتمويل عناصر إرهابية في البحرين، وأزمة الجزر الإماراتية الثلاث، والدور الذي تلعبه من خلال حزب الله في لبنان، وتدخلاتها في سيادة بعض الدول، والتي لم تعد تخفى على أحد، كل هذا وهي لا تمتلك سلاحا نوويا، فما الذي يمكن أن يتوقع من إيران لو امتلكت هذا السلاح؟
خاصة أن تلويحات بعض الساسة الإيرانيين بمحو إسرائيل من الخريطة، وتهديد نتينياهو هذا الأسبوع بضرب إيران، ما هو إلا مسرحية هزلية لا يصدقها ذو عقل، والجميع يعلم أن ما يدار سرا في أروقة السياسة لا يمت بصلة لما يظهر في العلن.
حتى العداء الذي كانت تعلنه أمريكا لإيران والعقوبات التي فرضت على إيران بسبب ملفها النووي، والتي توشك أن تكون جزءا من التاريخ، لو كانت حقيقية لما استمرت إيران في امتلاك ما يؤهلها للجلوس على طاولة التفاوض والتقارب مع أمريكا ودول أوروبية أخرى.
في السياسة لا عدو دائما ولا صديق دائما، ومن كان عدوا بالأمس قد يصبح حليفا اليوم والعكس صحيح، كلنا نعلم هذا، ولكن في السياسة هناك مصلحة دائمة قد يكون العدو فيها صديقا في نفس الوقت، ولم تكن حتى حرب السنوات الثمان «حرب الخليج الأولى» أو ما سمي
بـ «الحرب المقدسة» في إيران أو بـ «قادسية صدام» في العراق، استثناء من هذه القاعدة، فقد كانت أمريكا تدعم بشكل واضح العراق ضد إيران، بل إن القوات الأمريكية نفذت هجوما في 3 يوليو 1988م، أدى إلى تدمير طائرة نقل ركاب مدنيين قالت القوات الأمريكية فيما بعد إنه وقع عن طريق الخطأ من قبل الطائرات الحربية والتي أدت إلى مقتل 290 راكبا كانوا على متن الطائرة.
إلا أن المفاجأة المدوية وقتها كشفت عن فضيحة «إيران ــ كونترا»، ضمن صفوف إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان، حيث تم الكشف عن حقيقة أن الولايات المتحدة كانت بالإضافة إلى دعمها للعراق، فإنها وفي نفس الوقت كانت تبيع الأسلحة لإيران وكانت تستخدم الأموال من تلك الصفقة لدعم الثوار في نيكاراغوا.
وما التقارب الإيراني ــ الأمريكي الذي نراه اليوم عن ذلك ببعيد، وحتى لو كانت أمريكا تريد إعادة صياغة خارطة تحالفاتها في المنطقة وفتح الباب لما يبدو في لغة حسن روحاني غصن زيتون طار إلى واشنطن على جناح حمامة سلام، فلا أعتقد أن أمريكا يمكن لها أن تغامر بمصالحها الاستراتيجية في المنطقة لحساب إيران، وإن تورطت أمريكا في شيء من هذا فإن البديل الروسي قد يكون جاهزا بل وفرحا ومستعدا للتحالف مع دول المنطقة بفاتورة أقل كلفة مما كان يتطلبه التحالف مع الولايات المتحدة.
أمريكا أو حتى إيران لا بد أن تستوعبا أن دول المنطقة لها مصالحها أيضا ولها أدواتها في إدارة أي صراع أو مناورات سياسية لحساب أي طرف خارجي يحاول المساس بسيادتها.
حسن النوايا مطلوب في هذه المرحلة، ولا بد لإيران إذا ما أرادت أن تتعايش سلميا مع دول الجوار، أن تتسم سياساتها وتصريحات مسؤوليها بالشفافية والوضوح تجاه علاقتها بدول الخليج تحديدا والتوقف عن دعم حزب الله في لبنان، والتدخل في الشأن السوري.
والتحالف أو التفاهم الإيراني ــ الأمريكي الجديد، مناورة سياسية أثق تماما أنها ستكلف أحد الطرفين غاليا؛ لأن أمريكا لا تحتفظ بأصدقائها الطارئين طويلا، وإيران لا تطيق صبرا على ممارسة سياساتها التي هي ليست بيد روحاني بالتأكيد، واسألوا علي خامنئي ستجدون الجواب.